بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 12 يناير 2012

معاناة النائب بين المشاعر الطيبة وقيود النصوص (بقلم : عبد الله سلام الحكيمي )



معاناة النائب بين المشاعر الطيبة وقيود النصوص (بقلم : عبد الله سلام الحكيمي )


مما لا شك فيه، من وجهة نظر وقناعات الكثيرين، أن الفريق أول ركن/ عبدربه منصور هادي، والذي يعتبره أحد الطرفين المتحالفين في السلطة، المؤتمر الشعبي العام مجرد نائب رئيس الجمهورية كما كان سابقا،
في حين ينظر إليه الطرف الآخر، قيادات أحزاب اللقاء المشترك باعتباره قد صار رئيسا للجمهورية بالوكالة أو الإنابة!! يعيش لحظات عاصفة هي، ربما، الأدق والأخطر والأعمق مرارة على امتداد مشوار حياته العسكري والسياسي، تتجاذبه دوامة من مشاعر التمزق والألم والمعاناة النفسية والوطنية والأخلاقية وهو يرى ويلمس ويعايش حجم وكارثية أخطر وأفدح أزمة سياسية تحيط بالبلاد وتعصف بها وتدفعها يوما بعد يوم نحو آفاق مجهولة وحالكة السواد تهدد وحدة وتماسك الكيان السياسي لليمن وتجعل مصيره ووجوده في مهب رياح هوجاء عاتية، في الوقت الذي يتعرض الدور والمسئولية والواجب الوطني المناط به في مثل ذلك الظرف التاريخي الاستثنائي، لسلسلة من الأساليب والممارسات والمؤامرات الهادفة إلى محاصرته وشل حركته وتعطيله وخاصة من قبل سلطة عسكرية بوليسية عائلية فاسدة نسفت -على امتداد 33 عاما من سيطرتها على الحكم- مقومات وأسس وهياكل وبنى مشروع الدولة الوطنية اليمنية الحديثة والوليدة، لتبني على أنقاضها وأطلالها مشروع دولتها العائلية معيدة البلاد إلى الوراء عقودا طويلة من الزمن.

والفريق عبدربه منصور الذي لم تلك ألسنة الرأي العام اليمني أو الجهات والدوائر الخارجية، سمعته أو نزاهته، حيث ظل منذ ما بعد حرب 1994م التي أسفرت عن تعيينه نائبا للرئيس، بعيدا عن الالتحاق أو الولوغ في مستنقع الفساد الذي غمر أجهزة ومؤسسات وسلطات الدولة كافة، أفقيا ورأسيا وعلى امتداد أرض الوطن والمجتمع، ربما ساعده على ذلك حقيقة كون منصبه شرفيا وغير ذات سلطات تنفيذية أو سياسية محددة، والذي عرف عنه تحليه بصفات الصبر والتحمل وطول البال وعدم التسرع وتجنب اتخاذ أي موقف أو إجراء انفعالي متهور أو مغامر أو صدامي من أي نوع وعلى أي درجة.. أقول إن الفريق عبدربه ورغم كل تلك الصفات والمواصفات التي توفرت له وبه، على خلاف طبيعة سلطات الحكم الديكتاتورية الغارقة في وحول الفساد والتخلف، يبدو أنه قد فاض به الكيل ولم تعد طبيعته الإنسانية الأكثر نقاء قادرة على التحمل أكثر أو التزام الصمت والوقوف موقف سلبي فقرر تفجير بركانه الذي تزايد عليه الضغط إلى حد غير مسبوق، وأعلن، بحسب صحف خليجية ودوائر إعلامية وسياسية داخلية وخارجية، أو بالأصح هدد بمغادرة العاصمة صنعاء إذا لم تتوقف تدخلات علي عبدالله صالح وأركان ومراكز قوى سلطته العائلية، عسكرية ومدنية، في الصلاحيات الممنوحة له بموجب اتفاق لنقل السلطة، على حد قول تلك المصادر.

والرجل محق تماما في بواعث انتفاضه وصرخته الوطنية والأخلاقية وهو يشاهد بلده ووطنه في حاضره ومستقبله في مصيره ووجوده، يتراقص على فوهة بركان نشط ومتفجر، ولا شك مطلقا في سمو بواعثه ونبل مقاصده وصدق مشاعره.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه موضوعيا هو: أين تكمن المشكلة أساسا؟! وما هي العلة الحقيقية لانسداد الأفق أمام دور نائب الرئيس وتعطيل مسئوليته؟.

ومع التسليم والإقرار، ابتداء، بمسئولية ودور علي عبدالله صالح وأفراد أسرته وأقاربه من قادة الوحدات العسكرية والأمنية والاقتصادية في توتير وتأزيم الأوضاع بهدف التنصل والتهرب من واجب الوفاء بالالتزامات والمسئوليات التي قبلوا بها ووقعوا عليها والالتفاف على الاتفاقات المبرمة وإسقاطها، بدافع الوهم المسيطر على عقولهم بوجود إمكانيات أو احتمالات استمرار سيطرتهم على الحكم والدولة.

فإن جوهر المشكلة والعلة الكامنة وراء كل ذلك والباعثة على استمرار الأزمة وتأجيج نيرانها، يقبع بالدرجة الأولى في طبيعة ومضامين وأسس صيغ التسويات والمبادرات السياسية التي وضعت وتم الأخذ بها كحل للأزمة وأقصد بها، تحديدا "المبادرة الخليجية" وما أضيف إليها لاحقا مما سميت بـ"الآلية التنفيذية المزمنة" للمبادرة، ومنذ اليوم الأول ما برحت أوضح وأبني وأنصح بأن تلك المبادرات والتسويات والصيغ لا تشكل في مجملها، طريقا سلميا لمعالجة وحل الأزمة الحقيقية، بل أخشى أن تمثل فتيلا يشعل ويفجر الأوضاع الداخلية في اليمن على نحو قد لا يكون بمقدورنا السيطرة عليها أو إعادتها إلى الوضع الطبيعي والمنشود، وهنا ارتكبت قيادة أحزاب اللقاء المشترك "المعارضة" أخطر خطأ استراتيجي قاتل حين قبلت وانخرطت في حوارات وتوقيع صفقات وتسويات سياسية مع سلطة تعد الأكثر فسادا وديكتاتورية وتخلفا من بين سلطات وأنظمة الحكم في العالم الثالث بأكمله! في وقت كانت ثورة الشعب الملايينية الهادرة في ذروة مدها وعنفوانها السلمي الحضاري مطالبة بإسقاط تلك السلطة وإجراء إصلاح سياسي اقتصادي اجتماعي جذري وشامل من خلال إقامة دولة مدنية ديمقراطية لامركزية تقيم العدل وسيادة القانون والمواطنة المتساوية، إن ذلك الخطأ الاستراتيجي القاتل وجه ضربة قاسية للثورة الشعبية السلمية ومشروعية مطالبها وأهدافها وجعل المجتمع الإقليمي والدولي ينظر إلى ما يجري في اليمن ليس على كونه ثورة شعب عارمة ضد سلطة حكم فاسدة، وإنما باعتباره خلافا سياسيا بين "الحزب الحاكم" و"أحزاب المعارضة" تحل بالتسويات وأنصاف أو أثمان الحلول! ولعل هذا ما يفسر لنا سر وسبب اعتماد القوى الدولية والإقليمية لأكثر وأقصى الأساليب لطافة ونعومة ومراعاة واستجابة للمطالب والشروط المتكررة والمقدمة المرة تلو الأخرى، من قبل سلطة حكم علي عبدالله صالح، في حين لم تتعامل بنفس الأسلوب أو على الأقل بما يقاربه مع الطرف الآخر "قيادات أحزاب اللقاء المشترك" المعارضة! وهو ما يفسر توالي الصيغ المعدلة للمبادرة الخليجية ثم فوجئنا بما سميت "الآلية التنفيذية المزمنة" للمبادرة، تلك الآلية التي صيغت برعاية الشيخ جمال بن عمر المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة، والتي غيرت وأبطلت الحد الأدنى والمتواضع جدا من المضامين الإيجابية إلى حد ما في المبادرة الخليجية، وهكذا أصبحت المبادرة المفرغة من المحتوى وآليتها العجيبة الغريبة مجرد طوق نجاة للسلطة العائلية الحاكمة والفاسدة وإعادة إنتاج لها بشكل أقوى من سابق عهدها الطويل بسبب اكتسابها هذه المرة غطاء شرعية دولية وإقليمية عليها يضمن لها الاستمرار إلى ما لا نهاية.

ولكي تتضح الصورة السلبية القاتمة لما آلت إليه مسيرة الصيغ والتسويات والمبادرات الإقليمية والتي ختمت بالدولية عبر الآلية التنفيذية وحتى لا يكون حديثنا مرسلا وغير محدد، دعونا نجري مقارنة خاطفة ومختصرة جدا بين الصيغتين، حيث نجد:

أن "المبادرة الخليجية" في صيغتها الأخيرة الموقع عليها، تنص بوضوح على الالتزامات الثلاث التالية:

الالتزام الأول ينقل الرئيس علي عبدالله صالح سلطاته لنائبه فور التوقيع على المبادرة.

يعلن الرئيس علي عبدالله صالح تنحيه رسميا عن السلطة بعد شهر واحد من نقل سلطاته لنائبه.

يدعو النائب والرئيس بالوكالة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال شهرين من تنحي الرئيس.

يتم إعادة هيكلة الجيش والأمن قبل إجراء الانتخابات المبكرة.

في حين أن الآلية التنفيذية المزمنة:

*أغفلت تأكيد النص الوارد في المبادرة حول نقل الرئيس لسلطاته إلى نائبه فور التوقيع على المبادرة، واستعاضت عنه بنص "يعتبر الجانبان أن الرئيس قد فوض نائب الرئيس بموجب المرسوم الرئاسي رقم 24 لعام 2011م، تفويضا لا رجعة فيه، الصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشأن الآلية وتوقيعها وإنفاذها، إلى جانب جميع الصلاحيات الدستورية المتصلة بتنفيذها ومتابعتها وتمتد الصلاحيات لتشمل الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، وجميع القرارات اللازمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك تنصيب أعضائها وغيرها من الهيئات المنصوص عليها في هذه الآلية.. مضيفة في فقرات أخرى صلاحيات الرئيس المتصلة بمجلس النواب ورئاسة لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار.

ويتضح من سياق هذه النصوص أن الرئيس لم يلزم بنقل سلطاته فورا لنائبه كما نصت المبادرة بل تم تعويضه ببعض صلاحيات وسلطات الرئيس وليس كلها، ولهذا حرصت الآلية على ذكر نائب الرئيس وليس الرئيس بالوكالة أو الرئيس المؤقت أو ما شابه ذلك، ومؤدى ذلك من الناحية القانونية أن علي عبدالله صالح باق في منصبه كرئيس إلى حين انتخاب نائبه في انتخابات مبكرة..

*وأسقطت الآلية النص الوارد في المبادرة تنحي الرئيس بعد شهرين من نقل سلطاته لنائبه أو غضت النظر عنه مما عزز بقاء صالح رئيسا إلى ما بعد الانتخابات المبكرة.

*فرضت الآلية إجراء انتخابات مبكرة على مرشح واحد توافقي وحرمت على أي من الجانبين ترشيح أو تزكية أي مرشح آخر مما يحول الانتخابات إلى استفتاء على مرشح واحد وتحت إشراف لجنة انتخابات مختلف عليها وجداول ناخبين تضمنت مئات الآلاف من الأسماء المزورة.

*أما ما يتعلق بإعادة هيكلة وحدات الجيش والأمن فقد تركتها عائمة ومفتوحة وطالبت اللجنة العسكرية بأن تقوم خلال مرحلتي الانتقال بمجرد تهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون، علما أن مدة مرحلتي الانتقال تمتد لعامين وثلاثة أشهر!!

وهكذا يتضح جليا بأن الآلية التنفيذية المصاغة بإشراف المنظمة الدولية إنما جاءت لتغيير وإلغاء الإيجابيات المحدودة والمتواضعة جدا الواردة في المبادرة والملبية للحد الأدنى من مطالب ثورة الشعب السلمية، وذلك لإرضاء الرئيس صالح وسلطته العائلية الحاكمة واستجابة لشروطه كاملة!!.

واستنادا إلى ما سبق إيضاحه، في سياق هذا الحديث، فإن ما يشكو منه الفريق عبدربه منصور هادي -وله كل الحق في شكواه- يعود في المقام الأول إلى طبيعة بنود ومضامين الآلية التنفيذية التي أفرغت المبادرة الخليجية من محتواها الإيجابي المتواضع جدا وتعمدت، عن سابق إصرار وعلم، على إبقاء علي عبدالله صالح رئيسا إلى ما بعد إجراء الانتخابات المبكرة ولو أخذت منه بعض الصلاحيات والسلطات! ولم تنص على تنحيه بعد شهر من نقل سلطاته لنائبه!

وضمنت بقاء أفراد أسرته في قيادة وحدات عسكرية وأمنية واقتصادية حساسة في مناصبهم على الأقل إلى ما بعد مرحلتي الانتقال المنتهية نهاية عام 2013م.. ولطالما أوضحنا مرارا وتكرارا منذ انطلاق الثورة الشعبية السلمية العارمة -والتي لا تزال كذلك وقد أكملت عامها الأول بالتمام والكمال- بأن أي صيغة حل سياسي سلمي وآمن للثورة الشعبية السلمية ذات المطالب العادلة والمشروعة في الإصلاحات والتغيير الشامل، لا ينص أولا وقبل كل شيء على تنحي ورحيل علي عبدالله صالح وأفراد أسرته وأقاربه المسيطرين على الوحدات العسكرية والأمنية والاقتصادية الحساسة، فورا، لن يسهم سوى في دفع الأوضاع في اليمن نحو التفجر واتساع دائرة العنف والاقتتال ليشمل اليمن شمالا وجنوبا شرقا وغربا، خاصة في ظل إدراك ومعرفة الجميع بأن هناك أطرافاً إقليمية عديدة وقوى دولية نافذة أكثرها حاضرة بالفعل بنفوذها وتأثيراتها في اليمن وبعضها الآخر يتحفز ويستعد لأخذ موقع له فيها! قوى إقليمية لها أجنداتها وحساباتها ومصالحها التي تتقاطع وتتلاقى في بعضها أو كلها مع أجندات وحسابات ومصالح قوى دولية نافذة ومهيمنة عالميا، وجميع هذه القوى، دولية كانت أم إقليمية، لن تجد صعوبة في العثور على قوى وجماعات محلية مستعدة للعمل معها ولخدمة مصالحها وأجنداتها مقابل حصولها على دعمها المالي والسياسي وربما اللوجستي! فدولة قطر.. مثلا راحت، منذ سنوات عديدة خلت، تمارس دورا ونفوذا سياسيا واستراتيجيا يتجاوز ويفوق كثيرا جدا حدود ومحدودية قوتها وقدراتها الجيوبولوتيكية والبشرية والعسكرية والصناعية والعلمية وهي المصادر والعوامل الأساسية والضرورية التي ترسم لأى دولة دورها ونفوذها وتأثيرها على المستويين الإقليمي والدولي، في حين لا يتوفر لدولة قطر سوى قوة مالية تكونها عائدات ثروة الغاز الطبيعي الكبيرة التي تملكها وهي ثروة بطبيعتها قابلة للنفاد إضافة إلى أنها لوحدها لا تؤهل دولتها لدور إقليمي ولو محدود، ومع ذلك ورغم ذلك فإن قطر تحاكي وتحاول أن تكرر دور مصر إبان مرحلة الخمسينيات والستينيات، في قيادة المد القومي العربي على امتداد الوطن العربي بالإضافة على دعمها لحركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث، مع اختلاف الوسائل والأهداف، ويبدو أن قطر رسمت لنفسها دورا ونفوذا قياديا، واسع النطاق يهدف إلى تحريك وخلخلة ما ترى أنه ركود وتقليدية نظم بلدان الجزيرة العربية والخليج من ناحية، وأن تفرض لنفسها الدور القيادي الأبرز على صعيد بلدان الوطن العربي، وهو دور ضخم وكبير دون شك لا يتناسب كلية مع حقائق الواقع ومحدودية مصادر القوة والنفوذ التي تتوفر لدولة قطر والمشار إليها آنفا، لكن يبدو أنها اتجهت إلى محاولة تعويض ضعف ومحدودية مصادر القوة الاستراتيجية الطبيعية بالتركيز والالتحام بعاملين أو بمصدرين بديلين للقوة باستخدام ثروتها المالية وهما:

الأول: يتمثل باستحالة "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين" واحتضانه ودعمه وتمويله على أوسع نطاق والاتكاء على آلية تنظيمية وتأثيره الجماهيري الواسع في البلدان العربية واتخاذه كأداة أو ذراع سياسية فعالة تحقق بها قطر طموحها الواسع وسعيها إلى قيادة مسيرة العمل العربي الشامل.

الثاني: الانضواء الكامل ضمن إطار الاستراتيجية العالمية الأمريكية وحلفاء أمريكا من الدول الغربية، وإلحاق دورها وطموحها الإقليمي كجزء تابع للمشروع العالمي الأمريكي – الغربي.

والواقع أن لا تناقض أو تعارض بين العامل أو المصدر الأول والثاني إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة العلاقات الوثيقة التي ربطت "الإخوان المسلمين" منذ بداية تأسيسه في ثلاثينات القرن الماضي، ومشروع دول الغرب الاستعماري آنذاك، والدعم والتسهيلات التي قدمت لهم واستخدامهم في مواجهة وضرب القوى القومية واليسارية في العالم العربي والحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والحرب في البوسنة والهرسك وغيرها حيث تتلاقى أهدافهما معا.

وعلى الضفة الأخرى هناك "إيران" التي تسعى حثيثا وبوتائر متصاعدة إلى تأكيد نفوذها وتحقيق مصالحها كقوة إقليمية كبرى شأنها شأن أي قوة إقليمية في العالم ولها حضورها الملموس في العراق ولبنان وسوريا وأفغانستان وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية ولها قوى وجماعات محلية في اليمن مرتبطة وموالية لها.

وهناك "المملكة العربية السعودية" كقوة إقليمية كبرى، هي الأخرى، تتمتع بثقل ومكانة ونفوذ وتأثير على المستويين الإقليمي والدولي لأهميتها الكبيرة من الناحية الاقتصادية والمالية، ونفوذها الروحي والمعنوي عالميا باعتبارها حاضنة للمقدسات الإسلامية وقبلة يتجه نحوها كل مسلمي العالم، وهي تنظر إلى اليمن، بحكم الامتداد الجغرافي والحدود الطويلة بينها وبين اليمن، على أنه بالغ الحساسية والأهمية بالنسبة لأمنها القومي ومصالحها الحيوية واستقرارها السياسي، وتعتبره بمثابة خط دفاعها ا لاستراتيجي الأول، ولهذا فهي أكثر القوى الإقليمية والدولية اهتماما بتطورات الأوضاع الداخلية في اليمن وقلقا وتأثراً إزاء أي اضطرابات وقلاقل ومشاكل تحدث فيها لانعكاس مؤثراتها تلقائيا عليها وعلى مصالحها الحيوية ودورها ونفوذها الإقليمي عموما، والسعودية، فيما يبدو، تنتابها توجسات حقيقية وبواعث قلق جدية من أن تؤدي نتائج الثورة الشعبية في اليمن إلى وصول "التجمع اليمني للإصلاح" وهي التسمية السياسية لفرع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في اليمن، إلى سدة الحكم في اليمن، وهو التنظيم الذي تتهمه السلطات السعودية بالمسئولية المباشرة عن إعداد وتنظيم الجماعات الإسلامية المتطرفة في السعودية والتي شكلت الأساس لتنظيم القاعدة فيما بعد، بالإضافة إلى ارتباطه وتلاحمه الاستراتيجي، مؤخرا، بدولة قطر وما تمثله، وأن مثل هذا الاحتمال في حال حدوثه في اليمن، كما حدث في مصر، يشكل خطرا استراتيجيا كبيرا على أمن واستقرار الدولة السعودية، وذلك لأن هذا التنظيم، من حيث ايديولوجيته الدينية ذات المنحى المذهبي السني الذي يجد امتدادا مماثلا واسعا في السعودية، الأكثر قدرة وإمكانية على تفجير ثورة على غرار ما سمي بثورات الربيع العربي والتي كان "الإخوان المسلمين" محركها ومفجرها الأساسي، كما هو معروف، لكن وبرغم وجاهة وموضوعية هواجس ومخاوف السعودية من إمكانية سيطرة "الإخوان المسلمين" على الحكم في اليمن، ومع حقيقة كونهم أقوى الأحزاب المنظمة واعتمادها على قوة مالية كبيرة، إلا أن السعودية تملك نفوذا وتأثيرا واسعا، وتاريخيا، لقوى قبلية ذات شوكة ونفوذ تربطها بالسعودية روابط وعلاقات قديمة ووثيقة، إضافة إلى أحزاب سياسية وجماعات دينية لا يستهان بقوتها، وخاصة الجماعات السلفية المؤثرة، فإنها تدرك -أي السعودية- بأن هناك قوى وتيارات مؤثرة وقوية ليست على وئام أو وفاق مع الإخوان المسلمين تقليديا كالجماعات الصوفية المتواجدة والمؤثرة في عموم اليمن والقوى الزيدية ذات العلاقات العدائية عقائديا مع أيديولوجية ونهج وسياسة الإخوان المسلمين وهذه في مجملها وتضافرها تعمل على الحد من نفوذ الإخوان المسلمين وتقلص من إمكانية تفردهم بالسلطة والحكم في اليمن.

وهناك قوى إقليمية أخرى كتركيا التي يعتبر حضورها ونفوذها في اليمن ضعيفا جدا حتى الآن، وإن كان بارزا وكبيرا في ليبيا ومصر وسوريا وغيرها.

ويبقى بعد ذلك دور ونفوذ القوى الدولية، وخاصة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة لأمريكية وذلك مما لا نحتاج إلى شرحه فهو دور ونفوذ كبيران وحاضران إما أصالة أو وكالة، وهذه القوى الدولية عادة ما تؤثر في مجرى الأحداث الدولية وموقفها حاسم بشأنها.

واختم حديثي، الذي طال من حيث لا أريد، بالقول بأن الفريق عبدربه منصور هادي لا يستطيع لا هو ولا غيره في موقعه مهما بلغت قوته، أن يفعل شيئا ذا بال، في ظل بقاء أفراد أسرة علي عبدالله صالح في مناصبهم في قيادات وحدات الجيش والأمن خاصة والمؤسسات الاقتصادية والمالية الحساسة عامة.. ويقينا سوف تستمر الثورة وتتصاعد وتتسع سواء في مظاهراتها واعتصاماتها الهائلة في ساحات وميادين البلاد، أو عبر انتفاضات وعصيان جنود وصغار ضباط الوحدات العسكرية والأمنية وموظفي وكوادر مؤسسات ومرافق الدولة، لطرد وتنحية قادتها الفاسدين والملوثين، وقد تنفجر الأوضاع العامة ويسود منطق القوة والعنف وهو الاحتمال الأكثر خطورة وتدميرا.. وعلى العالم، بقواه الدولية والإقليمية، وفي يديه وبمتناوله وبمقدوره أن يضغط ويجبر عدداً من الأشخاص لا يتجاوز الخمسة عشر من أسرة وأقارب علي عبدالله صالح على الرحيل الفوري وغير المشروط فتحل الأزمة فورا، أو أن يواصل تعنته ومراهنته الخاسرة على هؤلاء النفر المحدودين وتصادمه وعدائه للجموع الشعبية الملايينية المطالبة بالتغيير فيدفع بالأوضاع في اليمن نحو الطوفان المدمر، فإما الأسرة وإما الشعب.

بريطانيا شيفلد – 8 يناير 2012م

"الوسط"

انشر الموضوع على :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق