بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

ارتهان الزعيم باعوم لن يكسر إرادته – نماذج من التاريخ (بقلم : أحمد الشمسي )





مدخل: عندما نناقش المثقفين ببلاد الجوار الجمهورية العربية اليمنية عن تباين واختلاف مساراتنا التطورية الفكرية والتاريخية والاجتماعية والسياسية في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، يزعلون من الحقيقة ويحطون رؤوسهم في الرمال، ربما من باب الخجل من ذكر ما لا يحبون ذكره...لكن ما العمل والماضي لا زال حاضر، ولا أدل على ذلك من ارتهان زعيم شعب الحراك الجنوبي المناضل الصلب حسن أحمد باعوم حتى الآن لكسر إرادته في فندق بخمسة نجوم، أو في قلعة السجن الحربي الرهيبة بصنعاء. لطريقة الرهائن في ج ع ي ماضيها التاريخي ومراميها وأهدافها الراهنة، ولم نسمع بمثلها في الجنوب واسأل التاريخ عني.....فاسمعوا لو تكرمتم لبعض ما سجَّـل أحد المؤرخين، والمعذرة للإطالة لتتضح المقالة:-



رمي الرهائن في تعز من فوق قلاع الجبال



يمارس نظام الرهائن اليوم بصنعاء اليمن أسلوب معروف قديم جديد، لا شك ورثه من أسلافه الأئمة واستفاد منه العثمانيون الأتراك! وللمقارنة بين الماضي والحاضر، يجد القارئ أن لا فرق في الهدف والغاية من خطف الرهائن. ويعرف ذلك من أساليب البطش الرهيب ومعاملة الأتراك القاسية للرهائن أبناء البلاد في السجون، وتسخيرهم للقيام بعمل السخرة (تشغيل الناس ببلاش بالقسر والقوة) لصالح موظفي وقادة العسكر الأتراك. وهذا أدى في كثير من الحالات إلى تمرد الرهائن الذين كانوا يختطفون بواسطة العسكر من بين أهلهم وأمهاتهم وقبائلهم المناهضة للاحتلال التركي لضمان ولاء القبائل للأتراك والتوقف عن مقاومتهم. و الحادثة التالية تصور نموذج من الوحشية تجدها في كتاب ( الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان – مؤلفه القاضي شمس الدين عبد الصمد بن إسماعيل بن عبد الصمد الموزعي، من علماء القرن الحادي عشر الهجري ال 16 ميلادي):



"في سنة 996 هـ، الموافقة 1588 م غادر متصرف تعز، المدعو سفر آغا بلدة الجند لحضور تجمع ديني، برفقة عسكره المرابطين في تعز، وجماعة من حرس "قلعة القاهرة" بالمدينة. وكان الرهائن المحابيس في القلعة ضعاف عرايا، يعانون الآلام بسبب قسوة قائد الحرس في معاملتهم الذي دأب على معاملة رهائن الدولة العثمانية بالبطش والإذلال والتنكيد والنَصَب. ويكلفهم بعمل بساتين ومزارع في القلعة، وبناء سكناً أو جداراً أو ترميم محلاً لأفراد الحراسة. فيخرجهم من الحبس لعمل السخرة في مثل الأعمال الذكورة، مع استخدام الضرب والشدة.

يضطر الرهائن على إنجاز ما أمروا به مجانا، فيأخذ قائد الحرس أجرتهم لنفسه. وذات يوم واتت الرهائن المحابيس الفرصة لخلو القلعة من أكثر الحرس، فهاجموا قائد الحرس رمياً بالحجارة، فمات. وقام بعضهم إلى خزنة الأسلحة، بعد أن أقفلوا بوابة القلعة، واستولوا على ما فيها من السلاح و البنادق. وفكوا قيود بعضهم لبعض. لكن تمردهم لم يستمر طويلاً، إذ تم احتواؤه بعد عودة المتصرف سفر آغا على الفور إلى تعز إثر سماعه خبر التمرد.

فأعيدت القيود على أرجل الرهائن بأعظم وأثقل مما كانت. وضربوا وسحلوا وسجنوا في أضيق الزنازن المظلمة. ولما علم الوالي بصنعاء حسن باشا بالحادث، "أمر أن يوضع الرهائن الذين أقدموا على التمرد في أكياس، ورميهم من أعلى مكان برأس القلعة، فماتوا موتاً زؤاماً..." انتهى...



هذا مثلاً مروعاً من فترة الحكم العثماني الأول لليمن، وكيفية تعامل الولاة مع معارضيهم....كرره إماما اليمن يحي و أحمد بعد سنة 1918 للميلاد...ومن لا ينسى سجن قلعة حجة وأسماء الذين دخلوه، الذي يستحي أمامه سجن الباستيل، والراحل البروني كشاهد عيان كتب في وعن ذلك. واليوم يمارس نظام صنعاء ضد مناضلي الحراك السلمي في الجنوب نفس طريقة الترك والأئمة لإخراس مطالبهم التي هي مطالب شعبهم في الاستقلال، بهدف اتخاذ الرهائن الجنوبيين بسجون الاحتلال "كروت" للمساومة بأرواحهم لكسر إرادة قومهم.



ولع وحشي سادي مزدوج



انتقلت قبل عامين إلى جوار ربها المغفور لها والدة الأستاذ الجامعي الدكتور حسين العاقل، الذي كان مرتهناً في سجون صنعاء، وفي نفسها ما فيها من حرقة القلب والكبد لرؤية ولدها وتقبيله قبله الوداع، لكن سلطات نظام الرهائن لم تسمح لابنها الرهينة من توديع أمه الغالية. وقبلها المرحوم والد المناضل بامعلم وقبلهما المغفور له والد المناضل عسكر جبران....ويعلم الله إلى متى تتواصل القائمة! أليس هذا منتهى الولع السادي المزدوج لنظام الرهائن المحتل: تعذيب أهالي الرهائن بتعذيب أقاربهم في السجون للاستمتاع بآلام هؤلاء وهؤلاء من أبناء الأخيار في المعتقلات - ؟



وبالله عليكم كم عدد سجون الرهائن في نظام الرهائن المعبأة اليوم بأبناء وبنات الناس، الذين يستعبدون وقد ولدتهم أمهاتهم أحرراً؟ هل سمع أحد بالرهائن المثلثة!؟ كان الأتراك والأئمة شغوفين جداً بهواية مفضلة أخرى فيما يخص تطوير عملية خطف الرهائن: يختطف عسكرهم الأم والابن والبنت ويحطونهم في زنازين القلاع بهدف الضغط على قبائلهم المتمردة ضد الظلم والباطل للاستسلام والولاء والطاعة لهذا الوالي التركي أو ذاك الإمام اليمني، فيضطر أباء الرهائن المثلثة لتسليم أنفسهم (ليشرفوا) الزنازن بدل زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم - !



ولو كان نظام الرهائن وتعذيبهم الذي يبين النموذج أعلاه واحداً من الآلاف من أنواعه باليمن التركية ووريثتهم الشرعية ج ع ي، لو كان الارتهان للبشر أصبح جزءاً من التاريخ اللعين ولم يعد له اليوم وجود في صنعاء، لقلنا: هذا تاريخ رهيب وانتهى... لكن المأساة المروعة أنه ما زال بسمع وبصر منظمات حقوق الإنسان السمة المميزة لنظام الرهائن والارتهان السياسي الحالي بصنعاء في مطلع القرن الواحد والعشرين، أكان ذلك في السجون والزنازين الخاصة لرأس النظام وشيوخ القبائل أو في (السجون الحكومية الرسمية) هذا إذا كان شيء في صنعاء وتعز وغيرها اليوم يمكن أن يطلق عليه صفة رسمي، بمعنى قانوني شرعي بإجماع أغلبية الناس. لا شيء من هذا حتى بعد انتفاضة الشباب التي "حلق شعرها" النظام والمشترك قطاع خاص، للأسف الشديد.



رب ضارة نافعة



لكن رب ضارة نافعة، فبعد 21 سنة و 7 أشهر من ما سموه بالوحدة الزائفة – الإنفصامية – علمت صنعاء الجنوبيين (إلا من هو أخرس) وفتحت عيونهم على وحشية اختطاف الرهائن الثنائية والمثلثة والمربعة والجماعية والانفرادية من مستشفيات ومستوصفات وشوارع وأزقة وحوافي وبيوت وفنادق بلادنا الحبيبة الجنوب، وما كان لنا أن نتعرف على ذلك لو لم ندخل دولتنا الحديثة في شراكة بمواثيق وعهود دولية مع نظام الرهائن القائم في ج ع ي! كل هذه الأضرار النفسية الرهيبة الفادحة علمتنا الدرس لننام على كابوس جهنمي، لن نصحو منه إلا بعد أن نستعيد استقلالنا الطبيعي الثاني، لننعم بحكم رشيد وبنظام وقانون يفلق الحديد، ولا يفرق بين أسود أو أبيض أو أصفر... فنحن في القرن ال 21 ولا نطيق العيش في القرن ال 16!



** نشر المقال بشبكات الإعلام الجنوبي المحدود الإمكانيات في ذو الحجة 1430 هـ المصادف نوفمبر 2009، وتم تعديله بإضافة بعض من التطورات المستجدة اليوم 18/12/2011



أحمد الشمسي / شبوه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق