بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

صفقة لصوص الثورات ...




صفقة لصوص الثورات

...احمد عبداللاه

١)
للتأكيد :  لصوص الثورات ، تسمية واقعيه للصوص الحياة .
إنهم عباره عن نخب استقوت بالمال وقدسية الخطاب الموظف سياسياً،  ضحلة في فكرها ومشاريعها ، لم تحتاج سوى أياماً قليله منذ انطلاق الثورات ( الربيع ) ، حتى انقضّت كاللبوات المصابه بمجاعة سرمديه على طلائع الشباب واستدرجتهم بكفاءة كبيره على خلفية معارضتها الرسميه للانظمه وتنظيمها وقدراتها الماديه مسنودة بالأعلام الرهيب الذي لعب دوراً حاسما .
٢)
كثيرون من وصفوا ثورات الشباب بانها ثورات بريئه انتفض من خلالها البسطاء وصغار السن متمردين على وضع مأساوي للحياة والعيش بسبب فساد الانظمه وتخلي الدوله عن القيام بواجباتها إزاء التنمية والخدمات وإدارة الاقتصاد بشكل يحقق الاستقرار والرفاهيه والتوازن بين طبقات المجتمع، فأصيبت المجتمعات بانحدار عنيف نحو الفقر والتمزق وضياع الأمل في قدرة تلك الانظمه  على الإصلاح السياسي الاقتصادي وتنمية القيم الحضاريه الحديثه .
ومع الاخذ بالمعطى الهام وهو ضعف طيف اليسار بشكل عام ، فقد وجدت الاحزاب الاسلاميه غنيمتها التاريخيه لتلتهم دماء الثوار وتركب الحشود نحو السلطه .
لكن الصفقة الكبرى التي تمت هنا كانت بين جماعات الإخوان والغرب البعيد ، ومن منطلق ان جماعات الإخوان كانت الأكثر تنظيماً وجاهزيه فقد رأى الغرب ومازال بانه يجب التعامل معها وفق منهج براجماتي بغية تقليل الخسائر ، وان عليه ان يضع يده مع القوة الجديده التي ستؤثر على المسارات السياسيه في المنطقة بأسرها خلال السنوات القادمه بغض النظر عن فكرها وايديولوجيتها او نخبها الدينيه المختلفه .. فالغرب يهدف إلى  نزع أنياب الإسلام السياسي ووضعه في مواجهة التطرف ، بالإضافة الى تدجينه من خلال التعامل المباشر مع معضلات المجتمعات من مواقع السلطه بحيث تتوسع الفجوه الطبيعيه بين الخطاب الديني والسلوك الواقعي ،
وفي المقابل تحظى جماعات الإسلام السياسي بالسلطه دون اي معارضة تذكر من الغرب او الدول الاقليميه الدائره في فلكه .
٣)
هذا الإطار العام من التحليل قد يندرج في الاكليشيهات السياسيه التي باتت تتناغم عند كثير من المحللين ولا يرى احد جديد فيها !
حسناً ربما الجديد المضاف هنا هو حول تلك الأكثر لصوصية في التاريخ البشري الحديث ، بل والأكثر ازدواجيه في تعاطيها مع  المسائل السياسيه والمعضلات التي يواجهها المجتمع .. هي النموذج اليمني الأكثر شَرَه وشغف بالحكم منذ ان تخلّق من ضلع السلطه في بداية التسعينات وامتلأت رئتاه بأكسجين الحياة تحت كنفها . بدأ بتجربة تنظيمية فريده  مثلت اندماج شيوخ الافتاء ومشائخ ألقبائل وقيادات عسكريه ورجال المال وشخصيات وجهاديين في عملية انصهار تم تصميمها على عجل لمواجهة مشروع الوحده الوليد . ومنذ ذلك الحين حتى الان رأينا عجائب هائله لايهضمها اي خيال سياسي خصب .
بعد ان تم ابتلاع الكتل البشريه العظيمه التي زلزلت الأرض في الساحات الشماليه ، وقطف ثمار الدماء المستباحة حينها ، وتقاسم السلطه الانتقاليه احس تجمع الاسلام السياسي القبلي ان وجوده يترسخ بثبات على الأرض ، فاتجه جنوباً لمحاولة تدمير ثورة شعب لا يسعى لتغيير السلطه او ترحيلها بل يسعى من اجل مصيره وبقائه كما يجب على قيد الكرامه والحياه . ان هذا الامر هو ما يغير في الاكليشيهات المحفورة على صفيح التحليل العام لواقع قوى الإسلام السياسي .

أنْ يتم ابتلاع ثوره تطالب برحيل الدكتاتوريه فهذا ما رأينا وعشنا لكن ان تتم المحاوله الجاده لابتلاع شعب يسعى لاستعادة حقوقه الحيويه  فهذا امر جديد يثير القلق الشديد، لان المؤشر هنا يضع القوى الاسلاميه في اليمن على نقيضين ، ففي حين تدعي الثوريه في الشمال فإنها تكرس فكرة الهيمنه القسريه في الجنوب ، التي استنكرتها وهي في المعارضه ، مستخدمة المال السياسي والخطاب الديني وهما شقّا الاحتراف المهني لتحقيق الاهداف .
بعد ان تم ابتلاع الكتل البشريه العظيمه التي زلزلت الأرض في الساحات الشماليه ، وقطف ثمار الدماء المستباحة حينها ، وتقاسم السلطه الانتقاليه احس تجمع الاسلام السياسي القبلي ان وجوده يترسخ بثبات على الأرض ، فاتجه جنوباً لمحاولة تدمير ثورة شعب لا يسعى لتغيير السلطه او ترحيلها بل يسعى من اجل مصيره وبقائه كما يجب على قيد الكرامه والحياه . ان هذا الامر هو ما يغير في الاكليشيهات المحفورة على صفيح التحليل العام لواقع قوى الإسلام السياسي .
أنْ يتم ابتلاع ثوره تطالب برحيل الدكتاتوريه فهذا ما رأينا وعشنا لكن ان تتم المحاوله الجاده لابتلاع شعب يسعى لاستعادة حقوقه الحيويه  فهذا امر جديد يثير القلق الشديد، لان المؤشر هنا يضع القوى الاسلاميه في اليمن على نقيضين ، ففي حين تدعي الثوريه في الشمال فإنها تكرس فكرة الهيمنه القسريه في الجنوب ، التي استنكرتها وهي في المعارضه ، مستخدمة المال السياسي والخطاب الديني وهما شقّا الاحتراف المهني لتحقيق الاهداف .
أنْ يتم ابتلاع ثوره تطالب برحيل الدكتاتوريه فهذا ما رأينا وعشنا لكن ان تتم المحاوله الجاده لابتلاع شعب يسعى لاستعادة حقوقه الحيويه  فهذا امر جديد يثير القلق الشديد، لان المؤشر هنا يضع القوى الاسلاميه في اليمن على نقيضين ، ففي حين تدعي الثوريه في الشمال فإنها تكرس فكرة الهيمنه القسريه في الجنوب ، التي استنكرتها وهي في المعارضه ، مستخدمة المال السياسي والخطاب الديني وهما شقّا الاحتراف المهني لتحقيق الاهداف .
ومن هنا ربما لا يدرك هذا التيار حجم التحديات التي يسعى لمواجهتها : فهو شريك وخصم للحزب الذي انبثق أصلاً منه وهو طرف رئيسي في الصراع الطائفي  ، كما وانه يضع نفسه في مواجهة قوى المجتمع المدني الواسعه إضافة للصراع المفتوح مع ثورة شعب الجنوب ، وكأننا في سياق حديث عن دولة عظمى وليس تجمع يسعى بماله وجمعياته لاحتواء كل من يقع عليه بصره ، هذا الامر لم يعد مفهوماً في قواميس السياسه الواقعيه بل انه يدخل في نظرية التوحش الممسوس وجنون الهيمنه المطلقه وتنتفي عنه أدنى صفة القيم الجديده التي يسعى لتحقيقها المجتمع .
ان تجمع الإسلام السياسي في اليمن ربما في نشوة العظمه لم يعد يدرك حجم الويلات التي يفتحها على نفسه كما انه يجهل ان المال والجمعيات والإعلام والفتاوى لا تكفي لان يواجه بنفسه استحقاقات تاريخيه كبيره او يذيب جبال صلده من الضرورات التي يتعين مواجهتها ببصيرة سياسية واقعيه وليس بلهجة العنتريات القبليه او خطابات المساجد والفتاوى . ان اي محاوله بنظرنا للسيطره على الساحات الجنوبيه
 ماهي سوى محاوله للانتحار السياسي هناك حيث اثبت الجنوبيون غير مره غلبتهم المطلقه في كل مناسبه .
لكن الامر الأكثر خطوره هنا والذي يجب التنبيه اليه هو ان تمادي هذه القوى لفرض هيمنتها على الجنوب
يعني الدخول في صراع مفتوح مع شعب تصبح وسائل الصراع فيه مفتوحة ومشروعه أيضاً بما فيها وسائل القوه التي نعتقد بانها آتية لا محال إذا استفحل الامر ووجد الجنوبيون انفسهم محاصرين ومتروكين للصوص الحياه غنيمة ، وربما لا يدرك احد ان اكثر ما يوحد الجنوبيين هو اللحظه التي يحسون فيها بان كل ما حولهم وما يأتيهم من الشمال هو مجرد زيف وخديعة . وفي اعتقادنا ان القادم القريب سيكشف ان الجنوب أقوى بكثير مما يعتقد هو ذاته وان لديه من أسباب القوه ما يجعله قادر على صنع الانتصار النهائي  المؤكد.
لقد عرفنا منذ زمن ان التيارات الاسلاميه في بعض الدول واجهت السلطه كمعارضه سلميه مغموره او ظاهره حسب تجربة كل بلد حتى أتت لحظة الثوار الحقيقيين فانتصرت بهم تلك القوى .. لكننا لم نقرأ او نعرف في كل تاريخنا القديم والحديث ان اي قوى اسلاميه قد واجهت شعب بهدف الهيمنه عليه وكسر إرادته وهو ما يحصل اليوم للاسف في معركة مفتوحة الأفق بين تيارات دينيه قبليه شماليه  وشعب الجنوب .
وللقارئ ان يدرك بشكل او بآخر بان الغلبه دوماً للشعوب ، خاصة وقد أصبحت  تعي تماماً من هم لصوص الحياه .
تم

وهكذا وصل لصوص الثورات  النقيه الى كرسي  السلطه على جسد الثوار دون ثمن يذكر  .

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012



البيض - باعوم (اختلاف الشَبَهْ) 

احمد عبداللاه
الخميس 04 أكتوبر 2012 01:35 صباحاً
لهذين القائدين تشابه كبير في المكونات العامة للشخصية وفي تاريخهما النضالي والسياسي منذ عقود خلت حيث آتيا من بيئة ثقافيه اجتماعيه واحده مع اختلاف بعض التفاصيل التي تدخل في دائرة ( الشخصنة ) او الخصائص الحيوية  الإنسانية ، تلك المكتسبة من ظروف المنشأ الخاصة بكل منهما التي تمنح أي فرد خصوصية شخصيه ذاتيه في الحضور و السلوك  .
ان وعي الرجلين تشكل وتحزَّب في إطار المنظومة الفكرية الثورية ربما منذ ان تفتَّح  على القيم الوطنية القومية في تلك الحقبة الزمنية التي سبقت استقلال الجنوب ، ثم تطورت تجاربهما وخبراتهما  داخل الحزب والدولة الجنوبية بالرغم من تمايز مواقعهما وطريقة عملهما أو أدائهما .. والمرجح ان  أغلبية الاصطفافات التي فرضتها الصراعات المتعددة داخل الحزب  بين منعطف وآخر قد تجاذبَتْهما إلى اتخاذ مواقف مشتركه أو متشابهه.
وان كان هناك اختلافات في الطبيعة الإنسانية العامة أو في قدرات تفسير وتحليل مجريات الأحداث في أي زمن فان هذا أمر وارد حتى في إطار أي توأمه بيولوجيه ، وبالتأكيد ان تعقيدات كثير من الأوضاع التي مر بها الجنوب تفرض فروقاً نسبيه بين رؤى الرجلين ولكن ليس بالشكل الحاد في حدود معرفتي على الأقل .

إلا إنهما في إي تشخيص عام متشابهان كقائدين يتصفان بالحدة والثبات أمام الضرورات .
لا اعلم ان كان إعلان الوحدة الفورية جداً والتي أُعلنت بشكل مفاجئ ، خارج التدابير الاحترازية ، لعملية تاريخيه بهذا الحجم وترتبت عليها مخاطر كارثية ،  ودون وجود إي ضمانات  لاستمرارها سلمياً حتى من الزاوية النظرية ، لا اعلم ان كان ذلك قد وضع القائدين على مفترق نفسي لوقت ما ؟  ربما ،
لكن حرب ٩٤ وماتلاها كان حدثاً مزلزلاً وضع الجنوب بأكمله خارج الوجود بقيَمِه الإنسانية الحقيقية وانصرف أبناؤه للبحث عن وسائل البقاء كيفما كانت.
وبسببها  تباعد البيض وباعوم جغرافياً مع الاعتقاد بان كل منهما وفي موقعه ظل مسكونَاً بهاجس واحد كما هو عند كل أبناء الجنوب وهو استعادت الدولة.

ظهر الزعيم باعوم بشكل مبكر من خلال رفضه العلني لواقع ما بعد ٩٤ ثم أصبح في ميادين النضال  مع الجماهير ، التي أوصلها حال الظلم والموت البطيء إلى وضع ثوري قل مثيله في تاريخ الثورات مقدمةً تضحيات كبيره ونموذجاً سبَّاقاً في سلميته وعنفوانه، وظل حسن باعوم مرتبطاً من خلال وجوده  الفيزيائي المادي والروحي في الميادين بعيد عن الصحافة والوسائط الأخرى وكان وحده من يذكِّر بالأسماء القيادية القديمة التي تزاملت وترافقت طوال حقبه من الزمن .. وبالطبع تعرض باعوم كما يعلم الجميع للملاحقات والعذابات الكثيرة وأصبح من مقيمي السجون الرهيبة في أوقات كثيرة آخرها خلال فترة انتفاضة التغيير في الشمال  والتي لم تُنْسِ الحكام المتهاوين  حقدهم على الشخصية المحورية الرئيسة في حراك الجنوب حسن باعوم ، وبالتأكيد تحمل صنوف كثيرة من العذاب في عمر تجاوز سني حيويته تماماً مُظهراً ثباتاً وصموداً أسطوريين .
وأكثر ما يلتفت إليه الناس ان الرجل لم يتزحزح عن موقفه أبداً ولم يسعٓ لتحقيق ذاته على أي صعيد.
كل ذلك اكسب الرجل جماهيرية كبيره وحضور شعبي كاسح كزعيم ميداني أرهق صموده كل من حاول النيل منه. وبغض النظر عن أي تاريخ فردي فان حسن باعوم رمزٌ جنوبيٌ استثنائي في زمن الضرورات الكبرى مهما حاول الآخرون خلط التاريخ الذي ولّى بالحاضر ، (الضرورة)  .. حتى ان الإنسان ينتابه الخجل ان حاول الأقدام على تجريح هذا الرجل لأي غرض كان.

ومن زاوية أخرى ظهر علي سالم البيض خلال احتدام الحراك ، بعد تغييب قسري ، متنقلاً بين دول الشتات ووطَّد اتصالاته وعلاقاته بكل قيادات الحراك ، ووضع قضية الجنوب كقضية سياسيه أمام العالم لما يتمتع به من مكانه كطرف وشريك في عملية الوحدة وقاد عملية الدفاع عن الجنوب خلال حرب ٩٤ من موقعه السياسي ثم أعلن وبتأييد كامل من رفاقه عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية ، التي لم يكتب لها ميلاد لعوامل كثيرة أهمها حال التمزق الذي عاشه الجنوب منذ سنوات قبل الوحدة والتفوق العسكري والبشري للشمال وخذلان العالم للحق الجنوبي آنذاك .

وبالرغم ان النخب الجنوبية في غالبها تنتقد بشده أداء قيادة الاشتراكي على مدى تاريخه وصراعاته والذي تتوج باتخاذ أمينه العام قرار الدخول في وحدة فوريه مالبثت حتى أهلكت كل القيم المادية والروحية لشعب صغير لم يألف أو يتربى على الحياة خارج إطار الدولة والقانون ،

بالرغم من ذلك فان الجماهير في وضعها المأساوي وحالتها الثورية العارمة وبشكل تلقائي وجدت في البيض منقذاً يستمد شرعيته ليس من كونه كان قائداً للحزب الاشتراكي أو لأنه من وقَّع وثيقة الوحدة دون تفويض احد ولكن يستمد مشروعيته بشكل اكبر من الالتفاف الجماهيري حول مشروعه الهادف لاستقلال الجنوب ،  ومن ضرورات مرحليه متعددة، وأصبح  الرجل في الوعي الشعبي  يمثل رمزية قائد حمل نواياه الوطنية الصادقة ، تجاه الوحدة التي لم يكن قد ابتدعها لكنها كانت مستمده من شعارات قوميه متأصلة في وجدان الشعوب  في عهود سابقه ومن أهداف الحزب الاشتراكي النظرية التي وضعت مسالة الوحدة كمُقَدَّس مصيري وقدري حملته أجيال من الزعامات والنخب مارسوا بسط الوعي  هذا في إطار حلم لا يُمَس حتى أصبح مسلمه توقف حيالها إي اجتهاد للعقل  وحملت الجميع على الصمت عند الإعلان عن الوحدة الفورية ، خوفاً من تسجيل مواقف محسوبة لعرقلة وحدة ظل الجميع يعبدونها كصنم في محراب الايدولوجيا  وتم إغفال الحد الأدنى من الشروط الاحترازية في وثيقة الإعلان عن قيام دولة الوحدة ودون اعتراف تام  حينها ان كانت ضرورة ام عقيدة نظريه .. كل ذلك مع عدم التنبؤ بإمكانية الخديعة من قبل الشريك الشمالي أوقعت القائد البيض ورفاقه في مقام من يحمل وزراً يسعى إلى الخلاص من حمله عبر قيادة شعبه نحو الاستقلال .
لقد دخل البيض الوحدة يحمل النوايا ويده خالية من إي ضمان متجرداً عن كل أسباب التكافؤ او التوازن فأصبح سهل الهضم وغُدِر به بطريقة تصل إلى أعلى مراتب الخديعة في التراث التاريخي للأحداث ،
لكن الرجل يتمتع بقاعدة شعبيه كبيره لثقة الجماهير التامة بأنه سيقودها للخلاص بعد تجربته المرة .
ولقد تقبلت الجماهير ظهور البيض منذ سنوات بحماس منقطع النظير ناسية عتابها وحنقها واعتبرته  رمزية سياسيه كبيره وضرورية يعرفها العالم والدول المحيطة ليعمل علناً على استعادة دولة تم سلبها بالقوة أمام العالم .

اذاً فالرئيس البيض والزعيم باعوم ( كما يُلَقبان ) رغم التباعد الجغرافي إلا إنهما منذ البداية كانا يحملان مشروع استقلال الجنوب بل إنهما يتمتعان بقاعدة شعبيه واحده فالولاء للبيض وباعوم واحد بين كل القواعد الشعبية  ولا اعتقد ان من يحب البيض يستطيع ان يكره باعوم والعكس وحتى في لحظة الاختلاف المفاجئ حول مؤتمر المجلس الأعلى  والذي ظهرت إرهاصاته منذ فترة ليست بعيده .

اختلاف الشَبَه له كثير من النماذج التاريخية على مستويات عده ، الأفراد الجماعات وحتى الأديان السماوية ، وبأوجه عده يأخذ ابعاداً مختلفة وأشكال متنوعة دون ان يكون هناك نموذج واحد يقود لنتيجة واحده ..  فالمسألة برمّٓتها تتعلق بالمسبب الرئيسي فإن كان تقنياً فان الاختلاف سيتلاشى لا محال وان كان هناك مُنْزَلق تحركه تباينات رئيسه في الوسائل فيجب عدم الاستهانة به وتصبح الحاجة إلى حوار فوري أمر ملح لإجراء مراجعة حكيمة وبالطبع هذا يعتمد على إرادة الزعيمين ويقظة أبناء الجنوب حول الضرورات التي تحتم عدم الاصطفاف الحاد لأنه ضرر مخيف.

ان اختلاف الشبٓهْ قد يصبح خطيراً فظلم ذوي القربى الذين لهم هدف واحد وقاعدة شعبيه  واحده ويمثلا رافعتي مشروع الاستقلال ، يصبح أكثر مرارة من إي اختلاف تفرضه ضرورة التنوع .
وهذه المسألة لها تأثير نفسي ومعنوي على الجماهير كون القائدين يحملان مشروع شعبي صرف ويتطابقان في خطابهما ونظرتهما لخيار الحل لقضية الجنوب وظلتا صورتاهما مرافقة لعَلَم الجنوب في كل فعالية جنوبية.

أنني لا اعتقد ولا أحب ان اعتقد ان خلاف الزعيمين له مُؤثِّر  يتجاوز حدود الجنوب أو يستمدانه من اجتهادات حول ما يجب ان تكون عليه العلاقات الخارجية بالذات مع القوى الإقليمية الرئيسة  ، مهما كان هذا التباين في الاجتهاد  ، او ان أمر كهذا يصبح في صميم  الاختلاف أو محركاً له . فالبيض وباعوم لا تنقصهما الخبرة والدراية بحساسية القضية الجنوبية وضرورة تجنيبها من أي صراعات إقليميه بل إنهما قادرَين على توظيف أي علاقة خارجية ان كانت ضرورية لمصلحة الجنوب.
ان أي سياسي مدرك تماماً بان قطبي الإقليم الرئيسين يتسابقا لضمان ولاءات
وتبعية القوى المؤثرة داخل شعوب المنطقة بأي ثمن واستثمارها في تنمية نفوذهما ، ونرى في السياق كيف امتد صراعهما على الساحة الشمالية ليصبح في المستقبل القريب الصراع الرئيسي هناك شئنا ان أبينا.
لكن الجنوب ليس لديه أي عوامل موضوعية لهكذا نفوذ أو صراع ، فلا توجد إي تبعية تاريخيه متا صله  لأي من قطبي الإقليم كما انه لا توجد إي مكونات اجتماعيه كبيره ارتبطت  مصالحها بأي جهة خارجية فشعب الجنوب خال من الكيانات القبلية المتأصلة والتي تمتلك جذور تاريخيه وتعيش تحت رعاية أي من دول الجوار مثلما هو الحال عند القبائل الشمالية الكبيرة   ، ومن جهة أخرى وهذا مهم للغاية فان الجنوب خال من أي صراع طائفي يتم تغذيته من الدول الخارجية ، كما ان الجنوب في كل تاريخه كان دولة مستقلة في قراراتها عن محيطها الإقليمي بأقطابه ، وتهابها كل دول الجوار .. ولم يتذكر احد ان شخصيات لها وزن اجتماعي أو مناطقي ارتبطت مصالحها بالخارج.

ان هذا يجعل إي تخوف من إي امتداد للصراعات الدائرة في الساحة الشمالية إلى الجنوب مجرد اجتهاد او ظن احترازي إذ انه وان حصل شيء من هذا الأمر فانه لن يكون عميق البتة ويصطدم مباشره بثقافة الجنوبيين المتأصلة فيهم عبر الأجيال .

لكن بالرغم من ذلك لا يمنع ان تلك الدول تسعى لاستقطاب الشخصيات الكبيرة ذات الوزن الجماهيري أكانت فدراليه أم استقلاليته او تحاول مد جسور ما وهذا أمر مفهوم من زاوية المصالح للدول الكبيرة في المنطقة لمحاولة التأثير وامتلاك أوراق مختلفة لأي تسويات تتم فيها عمليات مقايضة ما ، دون الالتفات إلى الحقوق العامة للشعب ، وهذا منهج سياسي براجماتي للدول التي تتسابق على النفوذ. 

والشمال نموذج حي حيث توغلت فيه قوى إقليمية منذ تاريخ بعيد وأصبحت المؤثر الأول  في توجيه الأحداث هناك بشكل عام رغم محاولة الخروج بين وقت وأخر من دائرتها المحكمة .. الا ان  النتيجة كانت دوماً هي العودة لبيت الطاعة .

أنني أسوق ذلك ليس من اجل التلميح إلى شيء محدد ولكن وجدت الأمر هذا ضرورة حتى لا يدخل في سياق كثير من التحليلات النخبوية حتى وان كانت مجرده عن أي غرض ، و أتمنى ان لا تتمادى النخب والأقلام في الذهاب بعيداً عن تقييم حالة اختلاف في تطبيق الوسائل إلى قراءات تهدف استجلاء خلفيات ثقيلة المعاني بعيدة عن الحقيقة .

وأكرر أنني لا أحب ان اعتقد بان خلاف الزعيمين له امتداد خارج إطار تدافع الوسائل والخلافات التقنية أو التنظيمية أو قوام الهيئات في قيادة المجلس الأعلى للحراك.

وفي هذا السياق أدعو كل من تهمه قضية الجنوب إلى الابتعاد عن الاصطفافات العدائية أو التطبيل والتسويق والتهويل لهذا الخلاف على المواقع الإعلامية أو في المجالس العادية وتحميله ما ليس فيه وارتجال أسباب للإثارة .. بل أدعو إلى تلافي هذا الصدع التنظيمي ووضع أي معالجه تجعل مؤتمر ٣٠ سبتمبر والمؤتمر القادم فعاليتين متكاملتين في إطار حراكي واحد وان نتجنب التحشيد وإصدار بيانات التأييد أو الاستنكار ... خاصة والجنوب بحاجة ماسه في هذه المرحلة لتجنب أي خلافات جديدة  و لديه ما يكفي  من الاستحقاقات والتحديات وما تتطلبه تلك من تضحيات قادمة.
ان الحراك الجنوبي الشعبي في الأول والأخير أهم من المجالس والمؤتمرات والزعامات وما تلك المؤتمرات سوى ظاهره تنظيميه تضع محددات نظريه وأدبيات وتنتخب هيئات ، يمكن ان تعقد في أي وقت وان لم تعقد سيظل الحراك باقياً ولا يعتقد احد ان عقْدها ضرورة تحتم ان يتحمل الجنوب شقاقاً لأجلها مهما كان حجمه .

ينتابني الإحساس احياناً كأننا  عشنا مراحل تدرجت فيها الألوان واحد تلو الآخر   نحو  الرمادي الفسيح الذي نحاول الخروج منه الآن  إلى لون ما سيشبه الحياة  ، وسوف يأتي ،
وكأن لوحة الجورنيكا لبيكاسو سرد تشكيلي لتلك المراحل اللونية.. انه أمر حياة لم تمض منسجمة قط .  لكن  الدنيا والتاريخ يشهدان الان عملية ولادة الجديد فينا الذي لن توقفه أي قوة مهما كانت .

أخيرا لكل النخب والأقلام ولكل القادة أقول لا تستثمروا حماس الشباب أو منظمات المجتمع الوليدة ، من اجل توجيهها هنا أو هناك في هذا الظرف.
ولكل قادة الجنوب استقلاليين أم فدراليين أقول لقد تعب الناس من الحياة وانتم لم تتعبوا من الخلافات على أشكالها .. فلا تجعلوا أقوالكم فوق أفعال  وتضحيات الجنوب .

 لقد تناسى الناس تاريخ قيادات الجنوب أجمعين بفعل الضرورة فاحترموا أيها القادة عطش الجنوب للحرية وليكن تنوعكم بنّٓاء طبيعي متكامل وعقلاني تتبادلون فيه أدواراً بحنكه ودهاء فأنتم أمام خصم يحمل دهاء شيطاني، ومحاطين بإقليم تحكمه قواعد المصالح والصراع في آن واحد ، وله أجندات تتسع لما هو ابعد من جغرافيته.
*خاص عدن الغد


اقرأ المزيد من عدن الغد | آراء واتجاهات | البيض - باعوم (اختلاف الشَبَهْ) http://adenalghad.net/articles/3578.htm#ixzz28HfL0haT